الأب الحديدي | عقد من الالتزام بالرياضة

أنهيت بتوفيق الله سباق آيرون مان70.3 في مدينة يونشوبينق في السويد بداية شهر يوليو الماضي . وبهذه المناسبة أحتفي بنشر مذكراتي حول السباق من جوانب عدة، أستذكر فيها دوافعي لخوض سباقات التحمل الطويلة. وللقصة تتمة بإذن الله ومنه التوفيق والإعانة.

السويد هي الدولة التي جعلت الرياضة جزءاً من حياتي

عندما زرت السويد لأول مرة قبل إحدى عشرعاماً في نفس الشهر كنت متورم الجسم ثقيلاً كالفيل أكتسي الدهون فراءً من كل جانب. فرأيت السويديين ورشاقتهم وغياب البدانة فيهم، وركبت الدراجة فكانت عجائزهم يسبقنني وهن بعمر جدتي وأنا ألهث خلفهنّ لا أدركهنّ. وكنت أستغرب من كون معظم قومي – وأنا أولهم – مائلين في وقفتهم، بطيئين في مشيتهم، يحتشون الدهن ويكسلون عن تحريك مفصل واحد عدا مفصل الفكّ بطبيعة الحال. كنت أظن أن السائد هو شكلنا وشكل عاداتنا، كنت أظن أننا (عاديون) نعيش في دائرة الـ(عادي) ونأكل الـ(عادي) وأن نشاطنا (عادي)، لكن السويديين كشفوا لي سوء البدانة وشناعة الكسل وأروني الفجوة بيننا وبين (العادي) وثارت نيران غيرتي على نفسي وعلى قومي حزناً على إهمالنا لأجسادنا وسرعة تدهورها وتعاقب الأمراض المزمنة عليها، فالتزمت الرياضة منذ تلك الأيام وحتى اليوم عادةً لا أكاد أفارقها، وأصبت بهوس التجارب الرياضية أمر على الرياضات التي لم أكن أطيقها حين كنت بديناً وأبحث عن ما يوافق هواي حتى ألتزم به. قد لا يلامس هذا الكلام من نشأ من أجيال القدامى بين الكدّ في البوادي أو المزارع، ولا من أتوا من الأجيال المتعاقبة الذين يقدسون العضل والبروتين والقوام الـ(ماسكوليني). أنا من فريق الكرش المترجرج والرأس المتدحرج وقد ساءني البون الشاسع بين (العادي) فينا و(العادي الآخر).

وأنا أعود بعد تلك السنين وأنا في ظاهري أَشَبّ مما كنت عليه آنذاك ولله الفضل والمنة، وأتيت لأتوج تلك السنين على بعد ساعتين من المدينة التي أقمت فيها قبل إحدى عشر عاماً. يوم أن كنت “السيد بطاطا”. أتيت أسبح معهم وأركب الدراجة معهم وأجري معهم.

أول أيرون مان نصفي لأبي عمر

الأبوة عالم جميل مليء بالمغامرات والتحديات، وهي دور من أدوار الحياة يأخذ بطبيعة الحال حصته من اليوم، فاللعب مع الطفل يزاحم أوقات التمرين، وبكاؤه ينغّص أوقات النوم الراحة، فيصبح التمرين أصعب والاستشفاء أبطأ، وكلمة (التوازن) تصبح أقرب إلى الحلم من الواقع. والأبوة في ذاتها هي أقوى الدوافع لكي يلتزم الأب بالرياضة ليحفظ جسده قوياً نشيطا، ليكبر مع أبنائه وهو قريب منهم روحا وجسداً، ليداعبهم ويلعب معهم ويضاحكهم دون أن تعبث بجسده الآلام والكسور من كل جانب، ودون أن يلهث كالمخنوق حين يجاري أبناءه فيفوت على نفسه قدرا كبيرا من المتعة التي ضاعت جراء إهمال الجسد، ناهيك عن القوة النفسية والانفعالية التي تبنيها الرياضة، فالأب يحتاج إلى تقوية عضلة الصبر أكثر من أي شيء آخر.

لم أكن سريعا في السباق بأي حال من الأحوال، وفي نفس الوقت لم أستنزف مخازن طاقتي ولم أبذل قصارى جهدي، لكن كان مرور عمر على خاطري يمدني بطاقة خارقة خلال السباق، وهاهو عمر المشجع الصغير يحتفي بي عند خط النهاية مع أمه …

رفيقي من قبل أن أبدأ الرحلة

في رمضان قبل ثمان سنوات، وعلى مائدة الكنافة (بين نارين) في مقهى برو كرو، عرّفني فيصل على سباق الآيرون مان 70.3 ودعاني لأن أخوض التجربة في البحرين في ذلك العام، كنت أظن السباق ضرباً من الجنون وأنه (للكبار فقط)، يسّر الله لي وكبُرتٌ في هذه الرياضة وأنجزت سباق البحرين مرتين، واليوم في سباق السويد يشاركني فيصل بنفسه ليخوض التجربة لأول مرة. وجود فيصل وحماسه واستعداده المبكر كان ملهماً لي ومؤنسا لي خلال هذه الرحلة. وكان أداؤه خلال رحلة التمرين الطويلة مبهراً يبشّر بأرقام خارقة في السباق. فيصل بدأ السباق ولم يكمل، لا لضعف ولا انهزام، لكن جوّ السباق وفورة الحماس في بداية السباق أفقدته السيطرة على رتم التنفس خلال السباحة. لا ألومه على ما حدث له فمتغيرات السباق كثيرة بعضها لا يخطر على البال، إلا أني كنت أتمنى أن تكتمل الحكاية بأن أحتفي بميدالية ملهمي فيصل في هذا المقام، ولعل الله أراد بذلك خيراً. شكرا يا فيصل فأنت من عرّفني بهذا العالم الجميل. وسباق بلنسية بانتظارك.

اترك رداً